صدر عن مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجان كتاب ثانٍ للكاتب والشَّاعر المغربي عبد الحكيم الحربيلي بعنوان "خريف حزين"، وهو يضمُّ كتابه الأوَّل الصادر في العام 2006 عن دار نعمان للثقافة، والمُعَنون "إشتعالات"، من ضمن سلسلة "الثقافة بالمجان" التي أنشأها ناجي نعمان في العام 1991، وما زال يُشرِفُ عليها.
لوحةُ الغلاف بريشة الفنان التشكيلي اللبناني العالمي وجيه نحله، وهو يوزَّع على كل مُريد من طريق أكشاك الكتب المجانية ومن خلال صالون ناجي نعمان الأدبي الثقافي، أو مباشرة من مؤسسة الثقافة بالمجان.
والحربيلي، بحَسَب نعمان، "مُرهفٌ لدرجة استشعار الظلم أنَّى أتى، ومن حيث، ورقيقٌ لدرجة الاكتفاء من الثورة بلَطيفها، وغَيريٌّ لدرجة المطالبة بحقوق المجتمع، لا بحقوقه".
***
من الجزء الأوَّل "إشتِعالات"، نقتطف تحت عنوان "درس جميل للعبث":
أيَّامُ الأسبوع فريقُ إعدامٍ بسبع بنادق:
تتناوبُ على قتلي بروتينيَّةٍ مُمِلَّة،
كدوران عقارب السَّاعة في ساحة عاصمةٍ مَيْتَة؛
الرَّصاصةُ الأولى
خلقَت ثقبًا بحجم "الأوزون" في الذَّاكرة،
فطارَتْ على شكل فراشاتٍ سحاباتٌ من أفكار،
تلكَ التي تُقلقُ أجهزةَ الرِّقابة،
تلكَ التي تُرعبُ الطُّغاةَ
حين يحرمون شعبًا كاملاً
من الحقِّ في العيش،
والحقِّ في الابتسامة،
والحقِّ في قول لا
لأَكَلَةِ لحمِ البشر النَّيء على موائِد العَولمة،
وسارِقي الخبزَ سرًّا من أفواه الفقراء،
هؤلاءُ ظلالُهم كثيرةٌ في أوطاننا المَنسيَّة؛
الرَّصاصةُ الثَّانيةُ
شقَّتِ القلبَ نصفَين فبرزَ وجهُ الحُلم الجميل مشروخًا،
وسطَ دماء أزهار الرَّبيع المذبوح؛
والثَّالثةُ
امتَصَّتْ ما تبقَّى من هواء في الرِّئتَين؛
والأربعُ الباقيةُ
وليمةٌ ازدَرَدَتها الأحشاء
على الرَّغم من أنَّ الرَّصاصاتِ القاتلةَ
وَجبةٌ
يوميَّةٌ
مَحتومةٌ،
فقد بقيتُ واقفًا على خشبة مسرح الحياة
بإنارةٍ قليلةٍ من نار الشُّعراء،
أضحكُ في سخريةٍ
على فريق الإعدام
ومن الجزء الثَّاني "خريف حزين"، نقرأ تحت عنوان "الجلاَّد":
الجلاَّدُ الَّذي كان فقيهَ الكتاب،
وأخافَني بحكاياتِه المَهولة وأنا طفلٌ صغير،
زارَني على حين بغتةٍ، وأنا أغطُّ في الكهولة،
حاملاً معه عدَّتَه الرَّهيبة
صرختُ في وجهه:
منذ أوَّل درسٍ في الألم، تعلَّمتُ ألاَّ أخاف؛
ماذا في وسعك أن تفعل؟
أن تشعلَ النَّارَ في تناقضاتي؟
سيسعدُني ذلك كثيرا،
لأنَّ روحي قد تبلغُ من جَرى ذلك أقصى درجات الطُّهر؛
أن تحرِّضَ قلبي على العصيان؟
تحدٍّ عسيرٌ هو،
فقد حدثَ ذات صباحٍ أن هدَّدني قلبي بوَقف دوامه،
ما لم أكتبْ له اعترافاتٍ مفصَّلَةً
عن كلِّ ما قمتُ به طيلةَ سنوات عمري،
ففعلتُ بكلِّ شفافية؛
أن تستفزَّ حواسّي؟
إجراءٌ خطيرٌ هو،
فقد سبقَ لحواسّي
أن طوَّقَت عنقي مثل سلسلةٍ حديديَّة،
حتَّى كادَت تقطعُ أنفاسي،
مُعترِضَةً على حرمانها بعضَ المِتَع،
ساخِرَةً من جهدي المتواضع
لجهة تحقيق سلامي الدَّاخلي،
فوعدتُها بتحقيق الأحسن؛
أن توقظَ أحقادَ الَّذين أخطأتُ في حقِّهم؟
إحراجٌ استثنائيٌّ هو،
فقد سبقَ لأصوات هؤلاءِ
أنِ انهمرَتْ على هامتي،
مثل وابلٍ من الحجر:
"غبي، حقير، لئيم، منافق، كاذب، غدَّار"،
إلى آخر اللَّعنات الَّتي تمسخُ كلَّ جميل،
وقدِ اعتذرتُ منهم بملء فكري
قلتُ هذا، فابتسمَ في وجهي بخبثٍ، وقال:
سأتجنَّبُ القيامَ بأيِّ من الفظائع الَّتي ذكَرت،
وسأكونُ رحيمًا جدًّا بك؛
سأسرقُ منك شيئًا واحدًا فقط:
الابتِسامة!
***
هذا، وعبد الحكيم الحربيلي، الكاتب والشاعر المغربي، من مواليد العام 1969 بمدينة دمنات. له إسهاماتٌ صِحافيَّةٌ مختلِفة، وفي رَصيده إحدى جوائز ناجي نعمان الأدبيَّة (جائزة الاستِحقاق، 2003). وما يكتبه، بحَسَب ما يقول: "ترجمةٌ لقلقه الداخلي على شكل كلمات... ومحاولةٌ لرَتق مزق روح كاد قلق الاسئلة يقتلها، ولملمةٌ لشظايا جسد تنهال عليه الصواعق من جميع الجهات. ترجمةٌ ورتقٌ ولملمةٌ في سبيل انعتاق أساسه الأنسنة، واستشرافٌ سِماته الإيمانُ بنُبل الكلمة وقابليَّتها على تغيير العالم والارتقاء بالإنسان نحو ملكوت الفكر وفردوس الكلمات.